الاتجاه نحو المباني المستدامة وكفاءة الطاقة في الإمارات

في ضوء رؤية الإمارات الطموحة للانتقال إلى اقتصاد أخضر واقتصاد معرفي مستدام، تتصدر المباني المستدامة وكفاءة الطاقة أولويات الخطط الاستراتيجية مثل استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 التي تستهدف رفع مساهمة الطاقة النظيفة إلى 50% بحلول 2050، وخطة دبي الحضرية 2040 التي تشدد على تطبيق معايير البناء الصديق للبيئة لتحسين جودة الحياة وتقليل البصمة الكربونية. وقد اعتمدت أبوظبي نظام جواهر (Estidama Pearl Rating System) لتصنيف المباني المستدامة وتحديد متطلبات الحد الأدنى عبر تصنيف لؤلؤة واحدة فما فوق، فيما أطلقت دبي نظام السعفات للمباني الخضراء (Al Sa’fat Green Building System) لتقنين استهلاك الطاقة والمياه والمواد في المباني الجديدة.

وعلى أرض الواقع، تظهر تقنيات العزل الحراري، والطاقة الشمسية، وأنظمة إدارة المباني الذكية (BMS)، وإعادة تدوير المياه الرمادية كأبرز مكونات كفاءة الطاقة في المشاريع السكنية والتجارية الإماراتية، مدفوعةً بدعم حكومي وحوافز تشجيعية تسهم في خفض التكاليف التشغيلية وزيادة قيمة تلك الأصول للمستثمرين والشركات العقارية على حد سواء.

استراتيجية الإمارات للطاقة 2050

تهدف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 إلى تنويع مزيج الطاقة الوطني بحيث يصل إلى 44% طاقة متجددة و38% غاز و12% فحم نظيف و6% طاقة نووية بحلول عام 2050، إضافةً إلى استثمار ما بين 150-200 مليار درهم في مشاريع الطاقة النظيفة بحلول 2030 لجعل الإمارات ذات انبعاثات كربونية منخفضة وتنافسية عالمية في الطاقة المستدامة.

خطة دبي الحضرية 2040

خطة دبي الحضرية 2040 تعمل على توزيع متوازن للمناطق السكنية والتجارية والصناعية ضمن مدن متعددة وميسرة النقل المستدام، مع إلزام المشاريع الجديدة بمعايير صديقة للبيئة لتحسين البنية التحتية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة عبر شبكة مواصلات عامة متطورة وإحياء المساحات الخضراء الحضرية.

الأنظمة والمعايير الوطنية للمباني الصديقة للبيئة

نظام Estidama (جواهر) في أبوظبي

أصدر مجلس التخطيط الحضري بأبوظبي نظام جواهر (Pearl Rating System) في 2010، حيث يُلزم جميع المباني الحكومية بتحقيق تصنيف لا يقل عن لؤلؤة واحدة، وتصنيف لؤلؤتين للمباني الممولة من الحكومة، مع متطلبات تفصيلية تشمل تصميم الموقع واستهلاك الطاقة وإدارة المياه ووجودة البيئة الداخلية.

أنظمة دبي للمباني الخضراء (السعفات)

صدرت لوائح المباني الخضراء عن بلدية دبي عام 2016 ضمن إطار القوانين التنظيمية الهندسية، ووضعت حدًا أدنى لمعدلات العزل الحراري، واستخدام أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، وتقليل استهلاك المياه والمواد، مع منح حوافز للمطورين الذين يتجاوزون الحد الأدنى المطلوب من نقاط الأداء البيئي.

اقرأ أيضًا: نظام السعفات للمباني الخضراء في دبي

شهادات LEED في الإمارات

تحتل الإمارات موقعًا رائدًا عالميًا في عدد شهادات LEED، حيث سجلت أكثر من 1,800 شهادة عبر مختلف التصنيفات (البلاتينيوم، الذهبية، وغيرها)، على رأسها مقر Pacific Controls في دبي الذي نال أول شهادة LEED بلاتينية في الدولة بفضل دمج تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وأنظمة التهوية الموفرة للمياه، ومواد إعادة التدوير.

تقنيات كفاءة الطاقة في المباني

1. العزل الحراري والتصميم الهندسي

يلعب العزل الحراري دورًا محوريًا في مناخ الإمارات الصحراوي، حيث يقلل من فقدان وكسب الحرارة عبر الجدران والأسطح، تعتمد المشاريع الحديثة على مواد عازلة متقدمة مثل الفوم الصلب والزجاج المزدوج وأنظمة تظليل طبيعي مثل الواجهات المائلة والستائر الشمسية لتقليل الاحتياج إلى التكييف بنسبة تصل إلى 30%.

2. الطاقة الشمسية

نفّذت الإمارات مشروعات واسعة للطاقة الشمسية على أسطح المباني والشواطئ والمسطحات، أبرزها محطة محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية ومشاريع مصدر، إلى جانب مبادرات شركة Yellow Door Energy وشركات كبرى لتركيب أنظمة PV في المجمعات الصناعية والإسكانية، مثل مشروع 31.5 ميجاواط في منطقة ICAD بأبوظبي.

3. أنظمة إدارة المباني الذكية (BMS)

تقدم شركات مثل DEWA أنظمة Smart Grid متكاملة تشمل BMS لمراقبة الأحمال الكهربائية في الوقت الحقيقي، مع أجهزة استشعار للتحكم التلقائي في الإضاءة والتكييف، مما يقلل من هدر الطاقة ويحقق كفاءة تشغيلية عالية للمباني الحكومية والتجارية.

4. كفاءة استهلاك المياه

تطبق المشاريع المستدامة تقنيات إعادة تدوير المياه الرمادية في الري والتبريد، وأنظمة صرف منخفض التدفق، والزراعة العمودية في الحدائق الداخلية والخارجية، مما يخفض استهلاك المياه بنسبة قد تصل إلى 40% مقارنة بالبناء التقليدي.

مشاريع نموذجية

• مدينة مصدر في أبوظبي: نموذج متكامل للعيش المستدام يعتمد على الطاقة الشمسية وتقنيات النقل الكهربائي ويحقق انبعاثات قريبة من الصفر.
• المدينة المستدامة في دبي: أول مجتمع سكني معتمد من LEED في المنطقة، يجمع بين العزل الحراري والمزارع المائية والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية المشتركة.
• The Green Spine: ممشى حضري بطول 64 كيلومترًا يربط المناطق الحضرية بخيارات نقل صديقة للبيئة ومسطحات خضراء، مع دمج مرافق الطاقة الشمسية على طول الطريق.

الحوافر والمبادرات الحكومية

تقدم الإمارات حوافز ضريبية وتمويلية للمباني الحاصلة على التصنيفات الخضراء ضمن برنامج قروض خضراء بفوائد مخفضة من المصرف المركزي، إضافةً إلى دعم فني واستشاري عبر هيئة تنظيم الطاقة والبلديات للمطورين الراغبين في تطبيق معايير الاستدامة، كما يتم تشجع الشراكات بين الجامعات مثل جامعة خليفة وجامعة زايد والقطاع الخاص لتطوير مواد عزل وتقنيات ذكية بدعم من مركز الاستدامة في دبي ومركز بحوث الطاقة في أبوظبي لابتكار حلول تنافسية محليًا ودوليًا.

مستقبل المباني المستدامة في الإمارات

يتوقع أن تشكل المباني الحاصلة على تصنيفات استدامة نحو 50% من المشاريع الجديدة بحلول 2030 مدفوعةً بأهداف رؤية الإمارات 2050 وابتكارات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد للطوب العازل وإنترنت الأشياء لتحسين الصيانة الوقائية، كما تسعى دبي إلى رقمنة كاملة لسجلات المباني عبر البلوكشين لتعزيز الشفافية والموثوقية في تطبيق معايير الاستدامة.

اقرأ أيضًا: الترميز الجزئي للعقارات بتقنية البلوكشين في دبي

خاتمة

تؤكد الإمارات مكانتها الرائدةً في مجال المباني المستدامة وكفاءة الطاقة من خلال استراتيجيات وطنية طموحة وأنظمة تصنيف صارمة وتقنيات حديثة تدعم تحقيق التنمية الخضراء، يوفر هذا التحول فرصًا استثمارية جذابة للمستثمرين الأفراد والشركات العقارية، ويعزز تنافسية سوق الإمارات على الصعيدين الإقليمي والدولي.

اقرأ أيضًا: المنازل الذكية وأتمتة الرفاهية في عقارات الإمارات والسعودية